السبت، أبريل ٢٣، ٢٠٠٥

ثلاث ساعات منذ الرحيل

ثلاث ساعات منذ الرحيل، تستوقفني اللحظات الآتية، أيعود الزمان للوراء كما أشتهي، أو لربما كما ينبغي، فصل مسطول من فصول قدري المصاب بالحمق حد الجنون، أعيده في بالي نشيد يوم ابتدأه بصباحك، وسينتهي- لولا الحماقة- بحب ذاتك لك، وحين تستحمين بصوتي المبحوح على الهاتف أعلنك حبيبتي، بشعر ينساب لنزار أو مظفر ليجرح حنجرتي أكثر.

أستحمقت أكثر، نشدت أن أكون قربك فنذوب قطعتي سكر، حمى كنت أطالها شغف، فطالتني بقايا تخلف هذا المكان الذي خرجنا منه وسيتمرغ وجهنا في ترابه أحياء قبل الموت أو الولادة.

أستميحك عذرا، فقد أحببت ساعة (أو ثواني) لقاءنا حتى ظننت أن لن تنتهي، أستميحك أيضا إذ ظننت أن هي لا تنتهي، أستميحك مرة أخرى- إن وافقت- أني ظننت -بصفاقة- أن هذا الزمان يمحو المكان ويعيدني أن أردت لجسدك المنتمي لصوت فيروز والملائكة.

تعودت البوح، والبوح حين التعود يصبح حاجة، أدمنتك، نكوتين سجائري والصور المنسوبة لجنوني تشكلها سحب الدخان، استشكل الأمر - حين مُنعتِ عني – عليَّ، استشكل الأمر أكثر حين مررتُ -دون وجهك الموسوم ببالي- زهور ياسمين وخمر يظنون أنه من عمل الشيطان- رجس- وهو من أنهار الجنة، واستشكل الأمر على الغربان حين رأوك طائر نورس (جنة).

أستحضرك طريق خلاص، وأنت غرقي، أستبق - بنزقي المعهود- عيناك، أركع خاشعا أمام السحر، وأرجوك أن تأمري بتعليق هذا الجسد المنسوب إليّ فوق صليبهما، لتغفري لليل ظلامه.

أعود للبوح، أدعوك حبيبتي للمرة الألف، وأنا أعلم أن مساحة البوح هي بطول الأفق ، أهديك بين اللحظة واللحظة بقايا انتشائي بصوتك، ومصيري -قدري المحتوم- عند الذهاب، وأهديك أيضا حين التسالي أمسي التاريخي والشعيرات البيض مخطوطة في شعري، أهديك جسدي، روحي، مخزوني الفكري، وفتات ذكرى وطن -كما كنت أحلم أن يكون- حين التوقف للبوح، أهديك أنا،،،،، بل أنتِ.

استنجد بك من غربتي، وأقومك بشدة ، أستذكر دقائقنا الأخيرة، القبلة التي لم تكتمل، والحضن الذي ضن على مشاعري بالاحترام، يخلفني سؤال في فراغ ذاك المكان الذي أقفر لحظة الفراق، لما أنا هكذا دوما، أعشق المستحيل حد شغف؟

ألملم بقايا كبريائي، أخنق العبرات لألا تفضحني، هكذا علمني أبي "البكاء في حضن الحريم حرام"

أعيير نفسي بك، لأنني أحببتك لتغفري لي كل حمقي، وآلاف الخطايا، وأنتِ أعظم حماقاتي وأثقل الخطايا يوم الحشر في ميزان أعمالي، أعيير نفسي بك، لأنني أحببتك لأكون أحلى، وأنتِ ذاكرة قبحي الذي أحتقر حد الغثيان، أعير نفسي بك، وأضحك من القلب، وقلبي ليس من النوع الضحوك

تراتيل

ساعتان منذ أن أقلعت الطائرة، حاولت أن أنام إلا أن كلي مشغول بك، قررت الكتابة علي أنضحك حبراً من خلايا جسدي، علي أتعرقك، فتزول حمى ما فتأت تقتات من شراييني منذ أن سمعت صوتك هذا الصباح وأنت تعلنين أن سنلتقي.

أشتاقك، مذبوحاً بك ، رغم أن ما يفصلني عنك من ساعات ، أضعاف ما قضيناه معا. أحملك رسم، لا أعرف إن كنتِ رسمته في بالي أم أنا راسمه، ولا أدري أن كان حقا يشبهك أم أنتِ تشبهينه ولست أريد أن أدري.

صوتك الحزين - اللازال ينساب داخلي لأغتسل من كل قذارات هذه الحياة - أغنية غجرية ، لا أفهم معانيها ولا أعبىء ، أغمض عيني أرفع يدي - جناحي النورس بداخلي - وأدور ،،، أدور ،،، أدور، أشعر بدوار جميل يشبه دوار البحر بلا غثيان ، وصوت الموسيقى موج يمارس الإنتحار ليلفظ في كل موت سواد ،،، بياض ويولد آخر لحظة "ازدياد" لحن ولادة.

يمارسني أنتِ ، فأشعرك تمزقين ملابسي ، بشهوة حارقة ، تغرسين أظافرك في صدري ، تغوص يداك لتلتقط قلبي وتنتزعه وهو ينبضك ، تطبعين قبلة عليه فينتفض ، لينفض عنه السواد وأعود نقياً كما ولدتني أمي.

ألف سؤال أحمق ما بيننا ، بحجم هذا العالم أجمع ، إلا أننا أبينا أن نمارس الحمق، ألف إجابة هي أحمق مما بيننا ولكني لن أهديها أسئلة.

هكذا أنا دوماً ، أمارس الحمق عادة ، أعشق حد الأفق ، وأظن أني أصله بيدي لو مددتها كفاية، دائم السعي للنهاية، وأجد دوماً أنني ما أن أصل لحد السراب حتى يصير السراب بداية.

أشتاق ، لرحلة كانت ، كادت أن تكون وطن ، بحر عيون ، أصداء جنون ، حتى الرمق الأخير . أأعود ؟ أيمكن للزمان أن يبدأ مرة أخرى من أول السطر ، كما الفجر ، كما الليل . أتوقف ، أنظر حولي ، أحاول إمتصاص اللحظة ، الحلم ، قبل أن يحيله الصحو إلى شيء أقرب باللاشيء ، لا يختار أن يكون، يتشكل كما الزئبق ، ملء القالب.

أتعلمين ، أني حين أكون وحدي ، أغزلك عقد ياسمين؟

أأعود ، أعلم أني أريد ، غير أنني أمارس بحرفة سادية الممكن ولا ممكن، أصل بالجمل للإحتضار ، أرى آخر السطر وأستبق النقطة لتكون حد جموحي وحين تكونين حروفي تثيرني زوبعة صوتية كآلة كاتبة صدئة تقذف بي رغما عني لأول السطر.

أستحضرك ، أحي حفلا صاخبا بداخلي على شرفك ، أدعوك إليه بألف بطاقة دعوة وأرجو أن لا تحظري ، لأشتاقك أكثر ، حد الثمالة.

أنا ، السواد ، عيناكِ ، الحزن المسجي داخلي ، عشقي الآخر ، حرف ، النغمة الأخيرة ، أغنية للبعاد وأخرى تدنينا ، مازلت منذ أن كنت جنين أنقسم ، لأكون أكثر أنمو لأصير شظايا ، بقايا أنا ، أو ربما أنتِ.

أعيد ترتيب الحروف ، أصنع لغة أخرى ، عليّ أُعبرك ، يخذليني كما أعتدت كل شيء ، ترتحل العبرة داخلي ، أخنقها ، عليّ أستريح ، كيف لي أن أكون وأنتِ بلا وصف ، أستوقف عقارب الساعة عليّ أجدك في بعدي الآخر ، أعيد سبر غور الزمان ، استكشف الأمكنة ، لأجد أن أقرب مسافة بين نقطتين ، هي أنتِ.

أقترب أكثر من الشيء ، غربتي الأخرى، سماء تتلبد، الا أنها لا تمطر ، كيف يكون مطر في هذا العطش اللاينتهي ؟ كيف وهذا السهل قحل وللعين بريق بليا كحل؟

إستدراك:
"لما لابد أن تكوني فراشة، وأكون أنا الشرنقة"

أنتِ ، آختيار الأجنة ، مزاج الأسئلة.

لما؟ سؤال يدثرني كل ليلة قبل أن أنام ويتركني ضحية الطقس كلما إشتد الحلم ، أيمكن أن أبقى وحيدا هكذا حتى الإنتفاء ، لازلت أمارس الطقس بلا إغماض ، طقس أهيم به، يهيم بي، يرفعني حينا لمصاف الأنبياء والمرسلين ، وحينا يرسلني إلى قمة القاع احتقان.

تأتين أهلا ، وتروحين بداية أخرى للطقس.

كيف يمكن أن أكون وريد وأنت النبض؟